الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)
.تفسير الآية رقم (21): أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا} قال: هذا قول كفار قريش {لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا} فيخبرنا أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير في قوله: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا} قال لا يسألون. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {لولا أنزل علينا الملائكة} أي نراهم عياناً. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وعتو عتواً كبيراً} قال: شدة الكفر. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: {العتو} في كتاب الله التجبر. .تفسير الآية رقم (22): أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {يوم يرون الملائكة} قال: يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله: {لا بشرى يومئذ للمجرمين} قال: إذا كان يوم القيامة يلقى المؤمن بالبشرى، فإذا رأى ذلك الكفار قالوا للملائكة: بشرونا قالوا: حجراً محجوراً. حراماً محرماً أن نتلقاكم بالبشرى. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {ويقولون حجراً محجوراً} قال: عوذاً معاذاً الملائكة تقوله. وفي لفظ قال: حراماً محرماً أن تكون البشرى اليوم إلا للمؤمنين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {ويقولون حجراً محجوراً} قال: تقول الملائكة: حراماً محرماً على الكفار البشرى يوم القيامة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك {ويقولون حجراً محجوراً} قال: تقول الملائكة: حراماً محرماً على الكفار البشرى حين رأيتمونا. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري {ويقولون حجراً محجوراً} قال: حراماً محرماً أن نبشركم بما نبشر به المتقين. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة في قوله: {ويقولون حجراً محجوراً} قال: هي كلمة كانت العرب تقولها. كان الرجل إذا نزلت به شدة قال: حجراً محجوراً حراماً محرماً. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كانت المرأة إذا رأت الشيء تكرهه تقول: حجر من هذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: لما جاءت زلازل الساعة فكان من زلازلها أن السماء انشقت فهي يومئذ واهية، والملك على ارجائها: على سعة كل شيء تشقق. فهي من السماء فذلك قوله: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً} حراماً محرماً أيها المجرمون أن تكون لكم البشرى اليوم حين رأيتمونا. .تفسير الآية رقم (23): أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} قال: قدمنا إلى ما عملوا من خير ممن لا يتقبل منه في الدنيا. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله: {هباء منثوراً} قال: الهباء: شعاع الشمس الذي يخرج من الكوة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: الهباء: ريح الغبار يسطع، ثم يذهب فلا يبقى منه شيء، فجعل الله أعمالهم كذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الهباء: الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منها الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {هباء منثوراً} قال: الماء المهراق. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {هباء منثوراً} قال: الشعاع في كوّة أحدهم. لو ذهبت تقبض عليه لم تستطع. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {هباء منثوراً} قال: شعاع الشمس من الكوّة. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة {هباء منثوراً} قال: شعاع الشمس الذي في الكوّة. وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك وعامر في الهباء المنثور: شعاع الشمس. وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {هباء منثوراً} قال: الغبار. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {هباء منثوراً} قال: هو ما تذروه الرياح من حطام هذا الشجر. وأخرج ابن أبي حاتم عن معلى بن عبيدة قال: الهباء: الرماد. وأخرج سمويه في فوائده عن سالم مولى أبي حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليجاء يوم القيامة بقوم معهم حسنات مثال جبال تهامة حتى إذا جيء بهم، جعل الله تعالى أعمالهم هباء، ثم قذفهم في النار قال سالم: بأبي وأمي يا رسول الله حل لنا هؤلاء القوم؟ قال: كانوا يصلون، ويصومون ويأخذون سنة من الليل، ولكن كانوا إذا عرض عليهم شيء من الحرام وثبوا عليه، فأدحض الله تعالى أعمالهم». .تفسير الآية رقم (24): أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً} قال: أحسن منزلاً، وخير مأوى. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وأحسن مقيلاً} قال: مصيراً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {خير مستقراً وأحسن مقيلاً} قال: في الغرف من الجنة. وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة، وذلك الحساب اليسير، وذلك مثل قوله: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً}. وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقبل هؤلاء وهؤلاء. ثم قرأ {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً} وقرأ {ثم إن مقيلهم لإِلى الجحيم}. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إنما هي ضحوة فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين. وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم في الحلية عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة نصف النهار، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، فذلك قوله: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً}. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن الصوّاف قال: بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس، وإنهم ليقيلون في رياض الجنة حين يفرغ الناس من الحساب. وذلك قوله: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً}. وأخرج عبد بن حميد وابن حاتم عن قتادة في قوله: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً} أي مأوى ومنزلاً قال قتادة: حدث صفوان ابن محرز قال: إنه ليجاء يوم القيامة برجلين؛ كان أحدهما ملكاً في الدنيا، فيحاسب، فإذا عبد لم يعمل خيراً فَيُؤْمَرُ به إلى النار. والآخر كان صاحب كساه في الدنيا، فيحاسب، فيقول: يا رب ما أعطيتني من شيء فتحاسبني به فيقول: صدق عبدي، فارسلوه، فيؤمر به إلى الجنة، ثم يتركان ما شاء الله، ثم يدعى صاحب النار، فإذا هو مثل الحممة السوداء فيقال له: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول: شر مقيل. فيقال له: عد. ثم يدعى صاحب الجنة، فإذا هو مثل القمر ليلة البدر فيقال له: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول رب خير مقيل فيقال: عد. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار: الساعة التي يكون فيها ارتفاع الضحى الأكبر إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة. فينصرف أهل النار إلى النار، وأما أهل الجنة، فينطلق بهم إلى الجنة، فكانت قيلولتهم في الجنة، وأطعموا كبد الحوت فاشبعهم كلهم، فذلك قوله: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً}. وأخرج ابن عساكر عن عكرمة أنه سئل عن يوم القيامة أمن الدنيا هو أم من الآخرة؟ فقال: صدر ذلك اليوم من الدنيا، وآخره من الآخرة. .تفسير الآيات (25- 26): أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الأهوال وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أنه قرأ {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً} قال: يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد. الجن والإِنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق، فتشقق السماء الدنيا، فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإِنس وجميع الخلق، فيحيطون بالجن والانس وجميع الخلق فيقول أهل الأرض: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا. ثم تشقق السماء الثانية، فينزل أهلها، وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإِنس وجميع الخلق، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والانس وجميع الخلق. ثم ينزل أهل السماء الثالثة، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والانس وجميع الخلق. ثم ينزل أهل السماء الرابعة، وهم أكثر من أهل الثالثة والثانية والأولى وأهل الأرض، ثم ينزل أهل السماء الخامسة وهم أكثر ممن تقدم، ثم أهل السماء السادسة كذلك، ثم أهل السماء السابعة. وهم أكثر من أهل السموات وأهل الأرض، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون، وهم أكثر من أهل السموات السبع والانس والجن وجميع الخلق، لهم قرون ككعوب القنا، وهم حملة العرش، لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتقديس لله تعالى، ومن أخمص قدم أحدهم إلى كعبة مسيرة خمسمائة عام، ومن كعبه إلى ركبته خمسمائة عام، ومن ركبته إلى فخذه مسيرة خمسمائة عام، ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام، ومن ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام، وما فوق ذلك خمسمائة عام. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك {ويوم تشقق السماء بالغمام} قال: هو قطع السماء إذا انشقت. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {ويوم تشقق السماء بالغمام} قال: هو الذي قال: {في ظلل من الغمام} [ البقرة: 120] الذي يأتي الله فيه يوم القيامة. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية. يقول: تشقق عن الغمام الذي يأتي الله فيه. غمام زعموا في الجنة. .تفسير الآيات (27- 31): أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: «ان أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلاً حليماً، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام فقالت قريش: صبا أبو معيط، وقدم خليله من الشام ليلاً فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمراً فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبأ. فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية فقال: ما لك. لا ترد عليَّ تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟ قال: أوقد فعلتها قريش؟! قال: نعم. قال فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت قال: نأتيه في مجلسه، وتبصق في وجهه، وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم. ففعل، فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم أن مسح وجهه من البصاق، ثم التفت إليه فقال: إن وجدتك خارجاً من جبال مكة أضرب عنقك صبراً. فلما كان يوم بدر، وخرج أصحابه، أبى أن يخرج فقال له أصحابه: اخرج معنا قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال مكة أن يضرب عنقي صبراً فقالوا: لك جمل أحمر لا يُدْرَكَ، فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم، فلما هزم الله المشركين، وحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيراً في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟ قال: نعم. بما بصقت في وجهي، فأنزل الله في أبي معيط {ويوم يعض الظالم على يديه} إلى قوله: {وكان الشيطان للإِنسان خذولاً}». وأخرج أبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه أهل مكة كلهم، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبه حديثه، وغلب عليه الشقاء فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. فقال: أطعم يا ابن أخي. قال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول... فشهد بذلك وطعم من طعامه. فبلغ ذلك أُبي بن خلف فأتاه فقال: أصبوت يا عقبة؟- وكان خليله- فقال: لا والله ما صبوت. ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم، فشهدت له، فطعم. فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبصق في وجهه. ففعل عقبة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبراً ولم يقتل من الأسارى يومئذ غيره». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال: «كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم فزجره عقبة بن أبي معيط، فنزل {ويوم يعض الظالم على يديه} إلى قوله: {وكان الشيطان للإِنسان خذولاً}». وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن مقسم مولى ابن عباس قال: «إن عقبة بن أبي معيط، وأبي بن خلف الجمحي التقيا. فقال عقبة بن أبي معيط لأبي بن خلف- وكانا خليلين في الجاهلية- وكان أبي قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإِسلام، فلما سمع بذلك عقبة قال: لا أرضى عنك حتى تأتي محمداً فتتفل في وجهه وتشمته وتكذبه. قال: فلم يسلطه الله على ذلك. فلما كان يوم بدر، أسر عقبة بن أبي معيط في الأسارى فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يقتله فقال عقبة: يا محمد أمن بين هؤلاء أقتل؟ قال: نعم. قال: بم؟ قال: بكفرك وفجورك وعتوك على الله وعلى رسوله، فقام إليه علي بن أبي طالب فضرب عنقه. وأما أبي بن خلف فقال: والله لا قتلن محمداً فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله. فافزعه ذلك فوقعت في نفسه لأنهم لم يسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولاً إلا كان حقاً، فلما كان يوم أحد خرج مع المشركين، فجعل يلتمس غفلة النبي صلى الله عليه وسلم ليحمل عليه. فيحول رجل من المسلمين بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينه. فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: خلفوا عنه فأخذ الحربة فرماه بها، فوقعت ترقوته، فلم يخرج منه كبير دم واحتقن الدم في جوفه، فخار كما يخور الثور فأتى أصحابه حتى احتملوه وهو يخور وقالوا: ما هذا؟! فوالله ما بك إلا خدش فقال: والله لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني أليس قد قال: أنا أقتله، والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم. قال: فما لبث إلا يوماً أو نحو ذلك حتى مات إلى النار، وأنزل الله فيه {ويوم يعض الظالم على يديه} إلى قوله: {وكان الشيطان للإِنسان خذولاً}». وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سابط قال: «صنع أبي بن خلف طعاماً ثم أتى مجلساً فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قوموا. فقاموا غير النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أقوم حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فتشهد. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه عقبة بن أبي معيط فقال: قلت: كذا وكذا قال: إنما أردت لطعامنا فذلك قوله: {ويوم يعض الظالم على يديه}» وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ويوم يعض الظالم على يديه} قال: «عقبة بن أبي معيط دعا مجلساً فيه النبي صلى الله عليه وسلم لطعام، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل وقال: لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فلقيه أمية بن خلف فقال: أقد صبوت؟ فقال: إن أخاك على ما تعلم ولكن صنعت طعاماً فأبى أن يأكل حتى قلت ذلك، فقلته وليس من نفسي». وأخرج ابن أبي حاتم عن هشام في قوله: {ويوم يعض الظالم على يديه} قال: يأكل كفيه ندامة حتى يبلغ منكبه لا يجد مسها. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله: {ويوم يعض الظالم على يديه} قال: يأكل يده ثم تنبت. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله: {ويوم يعض الظالم على يديه} قال: بلغني أنه يعضه حتى يكسر العظم ثم يعود. وأخرج عبد بن حميد وابن حاتم عن سعيد بن المسيب قال: نزلت في أمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، {ويوم يعض الظالم على يديه} قال: هذا عقبة. {لم أتخذ فلاناً خليلاً} قال: أمية وكان عقبة خدناً لأمية فبلغ أمية أن عقبة يريد الإِسلام، فأتاه وقال وجهي من وجهك حرام إن أسلمت أن أكلمك أبداً. ففعل، فنزلت هذه الآية فيهما. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك في قوله: {لم أتخذ فلاناً خليلاً} قال: عقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف كانا متواخيين في الجاهلية يقول أمية بن خلف: يا ليتني لم أتخذ عقبة بن أبي معيط خليلاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون في قوله: {ويوم يعض الظالم على يديه} قال: «نزلت في عقبة بن أبي معيط، وأبي بن خلف، دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عقبة في حاجة وقد صنع طعاماً للناس، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعامه قال: لا... حتى تسلم. فأسلم فأكل... وبلغ الخبر أبي بن خلف، فأتى عقبة فذكر له ما صنع فقال له عقبة أترى مثل محمد يدخل منزلي وفيه طعام ثم يخرج ولا يأكل! قال: فوجهي من وجهك حرام حتى ترجع عما دخلت فيه. فرجع. فنزلت الآية». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: {ويوم يعض الظالم على يديه} قال: أبي بن خلف، وعقبة بن أبي معيط. وهما الخليلان في جهنم على منبر من نار. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلاً من قريش كان يغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه رجل من قريش- وكان له صديقاً- فلم يزل به حتى صرفه وصده عن غشيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله فيهما ما تسمعون. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً} قال: الشيطان. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {وكان الشيطان للإِنسان خذولاً} قال: خذل يوم القيامة وتبرأ منه {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} هذا قول نبيكم يشتكي قومه إلى ربه قال الله يعزي نبيه: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً من المجرمين} يقول: إن الرسل قد لقيت هذا من قومها قبلك فلا يكبرن عليك. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} قال: يهجرون فيه بالقول السيء. يقولون: هذا سحر. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله: {اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} قالوا: فيه هجيراً غير الحق. ألم تر المريض إذا هذى قيل: هجر؟ أي قال: غير الحق. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً من المجرمين} قال: لم يبعث نبي قط إلا كان المجرمون له أعداء. ولم يبعث نبي قط إلا كان بعض المجرمين أشد عليه من بعض. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً من المجرمين} قال: كان عدوّ النبي صلى الله عليه وسلم أبو جهل، وعدوّ موسى قارون، وكان قارون ابن عم موسى. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً من المجرمين} قال: يوطن محمد صلى الله عليه وسلم أنه جاعل له عدوّاً من المجرمين كما جعل لمن قبله.
|